نزل السلالم المتهالكة التي تقود إلى ذلك المكان وسار بحذر خوفا من أن تتسخ ملابسه من تلك الجدران التي أصبحت ملجأً لبيوت العنكبوت
ولحبات التراب التي عجزت عن التنقل من مكان لآخر وركنت إلى السكون على هذه الجدران..
حاول أن يتحسس طريقة في هذا الظلام الذي تتخلله بعض خيوط النور لتعطي ضوءًا خافتًا لهذا السرداب
دار وكأنه يبحث عن شيء حتي وجده في إحدي ممرات السرداب نائمًا على الأرض العارية وقد ضم ركبتيه إلي صدره
ويخرج أنفاسه في هدوء تام وكأنه لا يريد أن يشعر أنه مازال على قيد الحياة
نظر إليه بتأثر وقد رأي حالته التي يرثي لها ممددًا على الأرض كأنما فقد وعيه ..
يلبس ملابس أنيقة لكن من الواضح أنه يرتديها منذ مده ويظهر ذلك بوضوع على قميصه الذي غير التراب لونه
_هل مازلت هنا؟ ألن تترك هذا المكان وتخرج للحياة من جديد؟؟ أما زلت تقبع في تلك الدائرة التي وضعت نفسك فيها؟؟
لم يتلقى إجابة غير السكون وأصوات الفئران التتي تتجول في السرداب من حين لآخر
جلس بجانبه وقال: عمار..يكفي ذلك .. هكذا تعذب نفسك دون طائل.. ليست تلك الطريقة التي تعترف بها بخطئك..
كل إنسان منا يخطأ لكن أنجح إنسان من يعرف خطؤه ويتركه للصواب
لم يتحرك عمار من مكانه وتسارعت ضربات قلبه وظهر ذلك على تسارع أنفاسه
تنهد إيهاب ومسح بيده على رأسه ولأول مره رأي دموع عمار تسيل على خده وبدأ صوته يعلو بالبكاء حتي أصبح لا يسيطر عليه
ضمه إيهاب إلي صدره وقال: بربك يا حبيبي لا تفعل ذلك .. لن تحل مشكلتك بالبكاء أو بالجلوس في هذا المكان ..
أعلم أنك أقوي من ذلك وأعلم جيدًا وواثق بأنك لن تستمر بالجلوس هنا بل ستخرج من جديد للحياة وتُرينا وتُري الناس جميعًا أنك عدت لكنك
مختلف.. عدت عمار الذي عرفناه من قبل.
نظر إليه عمار نظره تساؤل عرف إيهاب مغزاها فأجابه: لا تخف يا عزيزي ستتغير فكرة الناس عنك بمجرد ان تتعامل معهم ..
سأكون بجانبك دومًا ولن أتركك.. سنعيد سويا ما هدمه خطئك.. أعدك بذلك.
مسح إيهاب دموع عمار بيديه ثم قام واقفًا ومد يده إليه قائلا : هيا قم معي.. لن أخرج من هنا دون أن تكون معي.. هيا قم.
قام عمار وكأنه لم يقم منذ عهد طويل.. سار كالأطفال يتخبط في الجدران وإيهاب ممسكًا يده وينظر إليه كل حين ويبتسم له
ويقول : ستنجح أنا أثق في ذلك.
وقف عمار على بعد خطوات من سلم السرداب مترددًا في صعوده ومازال إيهاب يشجعه ويحفزه لكنه تراجع عدة خطوات للوراء..
عقد إيهاب حاجبيه وقال : ماذا بك ؟
تردد عمار قليلا ثم قال : أخشى أن لا أنجح
رد إيهاب : في ماذا
عمار : أخشى أن أسقط في نفس الخطأ من جديد
إبتسم إيهاب له إبتسامه الواثق : أعلم أنك ستحاول الصمود حتي لا تتعثر من جديد .. سأكون بجابنك دوما.. لا تخف ..
سأساعدك أن لا تسقط .. إني اعدك بذلك.
نظر عمار إليه نظره تردد لكن إيهاب لم يعطه الفرصة كي يتراجع في قراره مرة أخرى ومد يده إليه كي يساعده على الصعود
لكن عمار رفض أن يعطه يده
وقال: سأصعد بمفردي
إبتسم إيهاب وقال: فليكن .. هيا بنا.
بدأ عمار يصعد السلالم ببطء شديد يصعد درجة ويقف قليلا ليفكر في جدية قراره ويحاول أن يزيل ذلك الجبل القابع على صدره
صعد عمار بخطوات ثقيلة خف ثقلها كلما صعد درجة وشعر بإصراره على الصعود يزيد وثقته في نفسه تنمو من جديد
خرج ولأول مره يري ضوء الشمس بعينيه منذ عده شهور.. أغمض عينيه قليلا التي لم تعتد على هذا النور
وبدأ يفتحها ببطء كي تتأقلم مع هذا الضوء.
إستنشق الهواء محاولًا أن ينقي صدره من شوائب هواء السرداب وبدأت الإبتسامة تعرف طريقها إلي وجهه.
وقف قليلا يتأمل الكون من حوله والذي تركه واختار العيش في ذلك السرداب.
ثم أخذ القرار ومضى عدة خطوات إلى الأمام وبدأت إبتسامته تتسع.
وضع إيهاب يده على كتفه وقال : الحياة تنتظرك يا صديقي .. تنتظر إنجازاتك.
إبتسم عمار وقال : شكرا لك على كل شيء.. لن أنس لك وقوفك بجانبي طوال هذه المدة
رد إيهاب : لا تشكرني يا صديقي بل اشكر الله الذي وضعني في طريقك .. الحياة ستخسر الكثير إذا لم تكن فيها
ضحك الصديقان وسارا بجوار بعضها وأخذ إيهاب يسرد لعمار ما حدث منذ غيابه حتي لحظة رجوعه إلي الحياة من جديد
...........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق